دع الخلق للخالق

فى ظل الأيام الغريبة العجيبة المريبة اللى عايشين فيها دلوقتى وما يعلم بيها إلا ربنا مفيش حوالينا غير اضطرابات , أزمات , خلافات , مشاحنات … بقينا بنتكلم بس من غير ما نسمع , بقينا بنصدر أحكام وبناخد قرارات من غير ما نفكر , اتخلينا عن الصبر و التحمل فبتضييق صدورنا ومبقناش قادريين نتحكم فى انفعالتنا , بنتخانق و نتناحر ونثور على بعض لأتفه الأسباب وفى الآخر بعد ما بنقطع و نهربد فى جتة بعض نرفع شعار “دع الخلق للخالق” و”خليك فى حالك ” و” كل واحد يخليه فى نفسه ” و “كل واحد حر” ! آمال لو مكنش كل واحد حر , ومكناش بندع الخلق للخالق كان ايه اللى حصل ؟! … للأسف بنقول كلام مش مؤمنيين بيه وبنعمل عاكسه على طول الخط , بنوهم نفسنا اننا فى حالنا واننا مثالين واحنا أصلا حاشرين مناخيرنا فى اللى مالناش فيه … الحقيقة المرة اللى لازم نعترف بيها اننا عندنا أزمة تقبل و تعايش مع اللى حوالينا

بننشغل بأمور غيرنا أكثر من انشغالنا بأمورنا , بنفرض عليهم وصايتنا فنوجه و ننصح لأ وكمان أحيانا بنفرض آراءنا عليهم حاجة كده من منطلق الفاضى يعمل قاضى … كل واحد فينا بيشوف التانى بصورة المخطئ دايما وبيشوف نفسه الصح , بنلوم الناس اللى حوالينا ومنلومش أبدا نفسنا , نراقب الناس و نتصيد لهم الأخطاء أو يعنى اللى بنشوفه من وجهة نظرنا خطأ ونوكل نفسنا كمان قضاه لمحاسبتهم و محاكمتهم , مبنقبلش الأعذار و لا نعرف حاجة بعد الشر عننا يعنى اسمها ثقافة التسامح , وفنفس الوقت كل واحد شايف غلطه دايما مبرر و مينفعش غير ان الآخر يرضخ ويقبل خطأنا ده ويعذرنا كمان ويقبله بصدر رحب !

بنفترض فى نفسنا الذكاء المطلق وبنفتكر اننا الأعلم , الأكتر وعى و الأكتر دراية بالأمور , أما عقلية بقية البشر فهى دايما لا ترتقى لمستوى تفكيرنا , بنسعى لتغيير اللى بنختلف معاهم و مبنغيرش من نفسنا , بالنسبة لينا الآخر كله عيوب ونواقص أما احنا فبنتصف بالكمال! بنغفل و بننسى أو بنتناسى ان الكمال لله وحده و انه سبحانه و تعالى خلقنا عشان نتكامل ببعض , بننسى ان كل واحد من غير “الآخر” ميقدرش يعيش لوحده .

دايما متسرعين مبنديش الفرصة لنفسنا اننا نتعرف على غيرنا كويس فبنخسره و بنخسر الخير اللى جواه , بنسئ الظن دايما و شايفين ان غيرنا أكيد سئ , أكيد بيمثل , أكيد ظاهره غير باطنه وده طبعا من منطلق اننا يا ما شوفنا ناس “من بره هلا هلا و من جوه يعلم الله “!

بنكتفى بالقشور من غير ما ندور على الجوهر, بنصدر أحكام مطلقة بدون تفكير فبنتوهم اننا فاهمين الآخر كويس و بندعى اننا نعرف نواياه اتجاهنا و بنجزم انها نوايا أكيد سيئة , وانه بيحمل لينا الضغائن و ممكن كمان نفترض انه بيكرهنا أو على أقل تقدير مبيحبش لنا الخير

الأدهى بقى من كل ده و بصرف النظر عن ان كل اللى فات ده سلوك غير سوى من الأساس , إلا إن الفرد مننا مصاب بمجموعة تناقضات زى الفل فبيشوف ان له مطلق الحرية فى ممارسته لنقد و محاسبة غيره و يحرمه على غيره … فأى حق ده اللى يخلى حضرتك تحرم على غيرك اللى بتبيحه لنفسك ؟!

أحب بقى أقول لنفسى و ليك و لكل المجتمع اللى مش طايق نفسه ده “لا تعايرنى ولا أعايرك ده الهم طايلنى و طايلك” … آه و الله , وكمان أحب أضيف ان ” اللى بيته من ازاز ميحدفش الناس بالطوب ” ايه رأيك بقى ؟

أصلك لو قررت انك تحاسب غيرك و تحاكمه فياريت تقبل كمان انه هو كمان يحاسبك و يحاكمك , و لو انكرت عليه ارتكاب أى غلط فخليك عارف انه ممنوع عليك انت كمان منعا باتا انك تغلط , ولو حسيت انه بيكرهك فاعرف كويس انك انت كمان أكيد بتحمل له جواك نفس مشاعر الكراهية , لأ و كمان لغيره من الناس و للأسف لنفسك .

الحقيقة اللى لازم نعترف بيها اننا ساعات بنشوف اللى حوالينا بصورة كدابة و بننسج لهم من مشاعرنا , وأفكارنا و معتقاداتنا السلبية اطار وهمى عشان نحطهم جواه , فبنطمس حقيقتهم و بنشوه صورهم … أزمة التعايش مع غيرنا هى نابعة فى الأساس من أزمة تعايش مع نفسنا , عدم قبول كل واحد لنفسه بيخليه لا اراديا بيرفض الآخر , لما بنفشل فى حب نفسنا بنكره اللى حوالينا , انعدام السلام النفسى جوانا بيولد بالتأكيد حرب مع غيرنا …

لو عايزين بجد ننجح فى التعايش مع اللى حوالينا و يكون بينا تفاهم و تقبل لبعض , نعرف نلتمس لهم الأعذار و نتغاضى عن عيوبهم و نشوف مميزاتهم , لو عايزين بجد نعرف نحتوى بعض فلازم اننا نبدأ بنفسنا …

اقبل نفسك زى ما هى و تعايش معاها , دور على مواطن الجمال فيها و خليها تتغلب على عيوبها , حبها لأنها تستحق انها تتحب , وأوعدك انك لما تنجح فى تحقيق السلام النفسى جواك أكيد هتقدر تحققه مع غيرك … نقطة البداية جوه كل واحد فينا لو عايز تتصالح مع غيرك اتصالح مع نفسك الأول .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *