الأرشيف الشهري: نوفمبر 2014

“أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة”

لا شك أن الأب و الأم حماية و سند لأولادهم أكبر نعمة فى حياتهم و برهم واجب علينا وهو أقل رد جميل ممكن نقدمه لهم و مع ذلك لم ولن نقدر نوفيهم حقهم… ولكن هل برهم يساوى سيطرتهم علينا ؟!

هل تقدير تعبهم معناه أن يرسموا لنا خريطة حياتنا الآتية تحت مسمى أنهم الاكبر و بالتأكيد هيكونوا الأعلم ؟!… هل رد الجميل معناه محو حياتنا التى تشرف على الابتداء لكى نرضيهم ؟!

بالتأكيد هناك حل وسط… فمن المستحيل عدم وجود حل وسط يجمع بين بر الوالدين ورضاهم وبين استقلاليتنا و اختيار المناسب لنا , من المستحيل الانغلاق و الحبس داخل إطار بعض المعتقدات المتمثلة فى كونهم “هما الأكبر هما اللى شايفين أحسن مننا هما اللى فاهمين أكتر مننا” و عندما نتوقف عن الجدال معهم و نتساءل لماذا أنتم الأعلم و الأكثر فهما يقال ” أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة ” وبذلك نخرج من إطار مغلق لإطار أكثر إنغلاقا و ضيقا يحرم عليك الاختيار أو التجربة .

قد يكون فعلا من هم أكبر منا أعلم منا و ذلك بحكم تجارب الحياة ولكن ذلك لا يعنى أن تكون تجاربهم هو منهجنا الوحيد فى الحياة , لا يعنى أن تكون معرفتهم دليل مقدس نسير على تعليماته و غير مسموح أن نحيد عنه أو غير مسموح التفكر و إعمال عقولنا اتجاهه .

قد يستريح و يستمتع الأهل “الأب والأم” بشعور اعتماد أولادهم عليهم و قد يستلذوا احساس احتياجهم الدائم لهم و لكن هل يتذكر الأهل أنهم بعد عمر طويل سيتركون أولادهم بمفردهم فى الدنيا ؟!

حينها يجد الأولاد أنفسهم فى الحياة من غير تابع … فإن لم يكونوا واثقيين من أنفسهم و مؤهلين لهذا اليوم وهذا التأهيل بالطبع لم يحدث إلا لو استقلوا بأنفسهم و أهلهم على قيد الحياة فحتما سيكون المصير هو التيه و الغرق فى بحور الحياة عندما يحدث قدرالله و يكون الأهل خارج الدنيا .

لا شك أننا مهما مر العمر بنا و “كبرنا” نظل أطفال فى نظر أباءنا و أمهاتنا بل أحيانا نحن من نشتاق لذلك الشعور و نشتاق لدلع الطفولة , نجرى لنحتمى بهم و نختبئ بملجأهم عند مواجهة مشاكل الحياة ولكن عندما يقوموا بذلك الدور و نحن نستشعره اتجاههم بشكل اختيارى فهو أفضل بالتأكيد مليون مرة من كونه شيئا اجباريا .

كل من هو أكبر مننا “سواء أهل و غيرهم من الأكبر سنا و موجودين فى محيطنا” بالتأكيد هم الأعلم منا فيما يخص الكثير من الأمور و لكن الأفضل أن يتركوا لنا مساحة نخرج من خلالها “بره إطارهم” يتركوا لنا اختيار انتهاج نهج غير نهجهم دون أن يشعرونا أننا أذنبنا برفضنا لوصايتهم فمن الأفضل عدم الربط ما بين الاختلاف بيننا و بينهم و ما بين العقوق أو أن اختيارتنا بالتأكيد يترتب عليها العاقبة الغير محمودة الغير مرضية مرددين الجملة الشهيرة “هترجع تندم وساعتها تعرف اننا الصح و انت الغلط وساعتها متجييش تعيط…”

لكل أم وأب لكل من هو “أكبر و أعلم” رفقا بأولادكم رفقا بكل من هم أصغر منكم سننا فقبل أن تعاندوهم أو” تمشوهم جوه إطاركم” تذكروا أنفسكم و أنتم فى مثل سنهم تذكروا كيف عانيتم لكى تخرجوا أيضا خارج إطار أهاليكم .

لكل ابن و ابنة رفقا بأهاليكم لديكم حق فى شعوركم و لكم مطلق الحرية فى رفض السجن داخل إطار أهاليكم و إطار ” أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة ” ولكن لا تنسوا أن هذه المرة تتعامل مع أهلك و هذا الإطار الذى تريد تحطيمه غير أى إطار آخر تريد تمحيه هذا الإطار يحتاج إلى رفق و لين و مرونة و حب وبر أيضا .

ربنا لا يحرم أهل من أولادهم و لا يحرم أولاد من أهلهم … ولكى يحافظ الاثنان على بعضهم فلا بد أن يعترفوا ان كل واحد فيهم له إطار حر يشكله على مزاجه و من الضرورى أيضا أن يكون كلا الطرفان لديهم إدراك تام أنه بالتأكيد لا غنى لأحدهم عن الآخر فلا يمكن أن يستغنى أحدهم استغناء تام و كامل عن الآخر إلا فى حالة واحدة هى أن تكون العلاقة قائمة من البداية بينهم على السيطرة و الإجبار فبالتالى سيأتى الوقت الذى يتحرر تماما الأولاد من وطأة هذه السيطرة دون رجعة .

قد تكون هذه الخويطرة أقل حدة من أى خويطرات أخرى كتبتها أو سوف أكتبها و قد تكون أيضا ممزوجة بقدر من الحب على قدر من الخجل على قدر آخر من مشاعر غريبة غير مفهومة و متضاربة ومتناقضة فمن الصعب أن أقسى الأبناء على أهلهم و أشجعهم على عصيانهم “على طول الخط” و بالطبع العصيان هنا “بيكون من وجهة نظر الأهل… هما بس اللى بيبقوا شايفين ان أى مخالفة لهم فى الرأى عصيان”

و أيضا من الصعب أن أتهم أى أم و أب بكونهم المسئولين عن ضرر و أذية أولادهم تحت مسمى الحب “مع ان من الحب ما قتل” … الخلاصة أن خير الأمور الوسط فلا تضطروا أولادكم أن ينتظروا اليوم الذى يتحرروا فيه منكم فينطبق عليهم المثل الذى يقول “كنا فى جره وطلعنا لبره” فيتمردوا تمرد سلبى ويحيدوا من أقصى اليمين لأقصى الشمال , ولا تحبوهم لدرجة “الخنقة” فتصبحوا “زى الدبة اللى بتقتل صاحبها من كتر حبها فيه”