الأرشيف الشهري: أبريل 2015

أيها الفقد … إفقدنى

أبهرنى بإخلاصه ، بتفانيه  فى عمله ، أبهرنى بشغفه فى تأديه دوره الذى خلق و سخر من أجله ، أبهرنى بقوته ، أبهرنى بثباته  وصموده ، أبهرنى بقلبه الميت ، أبهرنى بمعاركه ، أبهرنى بإنتصاراته ، أبهرنى بغنائمه و مكاسبه المتزايدة يوم تلو الآخر ، أبهرنى ذلك المخلوق العجيب المريب .

أبهرنى ذلك المخلوق الذى نخافه ونهابه ، ذلك المخلوق الموجع للقلب ، ذلك المخلوق المغتصب للسعادة ، المنتزع للراحة ، المعكر للصفو ، المفرق للجمع ، المشتت للألفة ، ذلك المخلوق الفظ شديد الغلظة .

أبهرنى و أدهشنى و أصابنى بحالة من اللامبالاة الممتزجة باللاوعى ، اللافهم ، اللاإدراك ، اللاإستيعاب و اللاتقبل ، أبهرنى بحزن ، أدهشنى بحسرة ، لجمنى بعجز  فقد نختلف كبشر فى التعامل مع ذلك المخلوق بطرق شتى و نختلف فى وصفه و تحليله وكذلك قد نختلف فى مدى إدراكه و فهمه و لكننا نتفق جميعا فى العجز أمامه … إنه الفقد القادر على اغتيالنا و العاجزين عن إيقافه .

نعم… فإنى عاجزة عن  فهم ماهية الفقد ، عاجزة عن فهم الحكمة من أن نفقد أو أن نُفقَد ، عاجزة عن فهم قدرة الفقد على اختيار ما نفقده بعناية فائقة ماهرة  ، عاجزة عن التخلص من الخوف من الفقد ، عاجزة عن التخلص من ألم ما بعد الفقد .

عاجزة عن عقد هدنة مع الفقد ، عاجزة عن اقناعه بنسيانى ، عاجزة عن أن أتفاوض معه ليترك لى ما أود الإحتفاظ  به .

 عاجزة عن  أن أتقبل وجود الفقد فى حياتى ، عاجزة عن مقاومته ، عاجزة عن منعه من خطف كل ماهو غالى وثمين .

عاجزة عن  كبح جماح شهوته فى الأخذ ، عاجزة عن استيعاب إصراره على الأخذ ، عاجزة عن ردعه أمام تكراره  للأخذ.

سئمت من رجاءاتى المتكررة  له بأن يكف عن السلب و التعدى على ما أملك ، لا أدرى لماذا لا يخطئ فى يوم الفقد و يسقطنى من حساباته؟!  لا أدرى لماذا يتمسك بى؟! لماذا لا يجيد فقدى؟! أيها الفقد لى رجاء أخير … أيها الفقد أرجوك إفقدنى .

البحث عن السلام

أبحث عن حياة بها شئ من “السلام” … أعيش ب “سلام” وأموت ب “سلام” وبين كل “سلام” أنجو من “الاستسلام” .

فالإستسلام ليس فقط يأس أو خنوع أو حتى فقد الإرادة ، الإستسلام فى الحياة قد يكون التخلى عن إنسانيتك و آدميتك ، التخلى عن سمو أخلاقك ، التخلى عن كل جميل بداخلك .

فقد تتعرض للآلام و القسوة من الآخريين فتتنازل عن الرفق و اللين بداخلك ، قد تتعرض للخذلان و الكسر فتتخلى عن جبرك لغيرك ، قد تتعرض للظلم فتتخلى عن عدلك …

الإستسلام هو ضعف و وهن ، الإستسلام استنفاذ قدرتك على العطاء ، استنفاذ طاقتك الداخلية ، الإستسلام هو تعثرك فى الحياة و إختزالها فى أشخاص أو مواقف قد تتصور أنهم محور الحياة و مركزيتها وأساس توازنها ، و بالتالى إذا كانوا هؤلاء الأشخاص و تلك المواقف  مصدر صدماتك يتوقف ما داخلك عند أعتابهم و لا تتخطاها …

وهكذا مع كل صدمة من صدمات الحياة قد تتنازل عن قيمك و صفاتك و جمالك الداخلى و الذى يشكلك و يشكل روحك و يعطيك مذاقك الخاص بين البشر .

و مع كل تنازل كأنك تتنازل عن جزء من أجزائك الحية و مع استمرارية الصدمات و اقترانها بالتنازلات قد تطمس هويتك تضيع ملامحك و تمحى روحك .

مع استمرارية الصدمات و اقترانها بالتنازلات قد تتلاشى … تبدأ مسلسل من التنازلات اللامتناهية كرد فعل دفاعى عن نفسك و كأنك تغلف نفسك بالجمود لتكون مجهز ضد الصدمات و لكنك فى الواقع تصبح هش أجوف يتم استنفاذك وتحرم نفسك من سلامك النفسى ، تحرم نفسك من أن تعيش فى سلام مع نفسك و مع من حولك !

و لكى تنعم بالسلام عليك ألا تندم على ما قدمت ، عليك ألا تتنازل عن الخير لما واجهك من شر ، عليك ألا تنتظر المقابل بعد عطائك ، عليك أن تحب بدون شروط … وتذكر دائما أنك كما استطعت من قبل أن تعطى ، تحب ، تقدم كل ما بداخلك من خير و جمال فإنك تستطيع ذلك أيضا اليوم وغدا و إلى مالانهاية، فأنت تمتلك نعمة محروم منها الكثير فلا تنضم لصفوفهم و اعمل جاهدا لضمهم لصفوفك  .

وتذكر أيضا أنك و هم مجرد بشر فكما أخطأوا فمن المؤكد أنك فى يوم أخطأت و مازلت تخطئ و ستخطئ فإلتمس الأعذار … و لا تتوقف أبدا عن البحث و العيش فى حياة بها شئ من السلام .

رغبة فى الإختفاء

مش نظرة سوداوية تشاؤمية أو يأس ، و مش وعظ وتنظير، مجرد تأملات عن واقع حقيقى اتعاش و لسه بيتعاش وممكن يمس أى حد فينا أو يمس أى حد يهمنا … إنك تسمع بشكل متكرر عن حالات إنتحار انتشرت أخبارها عبر وسائل الإعلام المختلفة ، أو عرفتها عبر وسائل التواصل الإجتماعى ، أو بتسمعها فى محيط الأصدقاء و المعارف … يبقى هنا فى وقفة ، هو ايه اللى بيحصل بالظبط ؟!

ساعات بنزهق من الدنيا و ندعى على نفسنا بالموت ، لكن فى نفس الوقت لو اتعرضنا لأى موقف فيه أى نوع من أنواع الخطر أو احتمالية فقد للحياة بنفوق فى لحظة لما نلاقى نفسنا بنحاول نحافظ على حياتنا و بنقاوم الموت !

يبقى ايه اللى يخلى بنى آدم معجون بغريزة الوجود و فطرة حب الحياة و بيسعى للخلود لو استطاع ، يقرر بنفسه يسيب الجمل بما حمل ، يرمى أى غريزة متأصلة جواه  ، يكره وجوده ، يكره اللى فات و انهارده و يزهد كمان فى بكرة ؟!

الأغرب من خبر الإنتحار فى حد ذاته ، انك تعرف إن المنتحر كان من الشخصيات المتفائلة ، المقاتلة  اللى مبتتهزمش ، شخصيات عاشت مبتسمة بتضحك و بترسم الضحكة على الوشوش حواليها ، شخصيات كانت مليانة طاقة إيجابية و بتوزع كمان منها على البشر !

سواء المنتحر ترك أى رسائل بتفسر دوافعه للانتحار ، أو حتى اللى تم انقاذهم و فشلت محاولاتهم فى الإنتحار مش دايما بيتكلموا بصراحة ووضوح عن السبب الحقيقى اللى دفعهم لمحاولة الإنتحار ، يعنى نقدر نقول بتتعدد الأسباب و الإنتحار واحد … بس الأكيد مشترك ما بينهم كلهم إنهم إتخذلوا ، إتوجعوا ، فقدوا الثقة … كفروا بالواقع و بالعيشة و الأكيد و الأهم إنهم كفروا باللى عايشنها فإجتاحتهم رغبة قوية فى الإختفاء و الهروب حتى لو كان الموت هو وسيلة الوصول !

فياريت لما تسمع عن حد “إنتحر” مش قضيتك خالص تنظر و تحكم عليه و تحلل وهو أصلا خارج الدنيا باللى فيها  ، ده تترحم عليه وبس ، لأن ربنا هو اللى أعلم بيه و باللى كان عايش فيه و باللى خلاه زاهد الدنيا و زاهد العيشة و اللى عايشنها ،  أما بقى قضيتك الحقيقية فهى انك تبص حواليك وتشوف انت مقصر فى حق مين أو مين محتاجك ، مين الدنيا ضاقت عليه و وارد جدا يبقى الدور عليه…جايز يبقى ليك لازمة وتلحقه .