أبهرنى بإخلاصه ، بتفانيه فى عمله ، أبهرنى بشغفه فى تأديه دوره الذى خلق و سخر من أجله ، أبهرنى بقوته ، أبهرنى بثباته وصموده ، أبهرنى بقلبه الميت ، أبهرنى بمعاركه ، أبهرنى بإنتصاراته ، أبهرنى بغنائمه و مكاسبه المتزايدة يوم تلو الآخر ، أبهرنى ذلك المخلوق العجيب المريب .
أبهرنى ذلك المخلوق الذى نخافه ونهابه ، ذلك المخلوق الموجع للقلب ، ذلك المخلوق المغتصب للسعادة ، المنتزع للراحة ، المعكر للصفو ، المفرق للجمع ، المشتت للألفة ، ذلك المخلوق الفظ شديد الغلظة .
أبهرنى و أدهشنى و أصابنى بحالة من اللامبالاة الممتزجة باللاوعى ، اللافهم ، اللاإدراك ، اللاإستيعاب و اللاتقبل ، أبهرنى بحزن ، أدهشنى بحسرة ، لجمنى بعجز فقد نختلف كبشر فى التعامل مع ذلك المخلوق بطرق شتى و نختلف فى وصفه و تحليله وكذلك قد نختلف فى مدى إدراكه و فهمه و لكننا نتفق جميعا فى العجز أمامه … إنه الفقد القادر على اغتيالنا و العاجزين عن إيقافه .
نعم… فإنى عاجزة عن فهم ماهية الفقد ، عاجزة عن فهم الحكمة من أن نفقد أو أن نُفقَد ، عاجزة عن فهم قدرة الفقد على اختيار ما نفقده بعناية فائقة ماهرة ، عاجزة عن التخلص من الخوف من الفقد ، عاجزة عن التخلص من ألم ما بعد الفقد .
عاجزة عن عقد هدنة مع الفقد ، عاجزة عن اقناعه بنسيانى ، عاجزة عن أن أتفاوض معه ليترك لى ما أود الإحتفاظ به .
عاجزة عن أن أتقبل وجود الفقد فى حياتى ، عاجزة عن مقاومته ، عاجزة عن منعه من خطف كل ماهو غالى وثمين .
عاجزة عن كبح جماح شهوته فى الأخذ ، عاجزة عن استيعاب إصراره على الأخذ ، عاجزة عن ردعه أمام تكراره للأخذ.
سئمت من رجاءاتى المتكررة له بأن يكف عن السلب و التعدى على ما أملك ، لا أدرى لماذا لا يخطئ فى يوم الفقد و يسقطنى من حساباته؟! لا أدرى لماذا يتمسك بى؟! لماذا لا يجيد فقدى؟! أيها الفقد لى رجاء أخير … أيها الفقد أرجوك إفقدنى .